سفر أيوب ـ شعر : بدر شاكر السياب by Moulay Ahmed Berkouk published on 2013-08-29T05:39:23Z تحليل قصيدة ســــفر أيـــوب عمل الطالب / محمد راشد السبيعي كتب الشاعر بدر شاكر السياب هذه القصيدة في المرحلة المأسوية، وهي سلسلة من عشر قصائد بعنوان سفر أيوب، كتبها في لندن بعد زيارته للدكتور إدواردز، أبدى فيها الشاعر بدر السياب روحاً جديدة عالية من الصبر والتحمل والأمل. وفي هذه القصيدة يخاطب الشاعر فيها ربه ـ عز وجل ـ بلسان أيوب ـ عليه السلام ـ دون تعُّمل للأسطورة أو تعمدها. ولعل أيوب ـ عليه السلام ـ من أهم الشخصيات التي ترددت في شعر الشاعر بدر السياب في مرحلة مرضه، وهي المرحلة التي أطلق عليها النقاد المرحلة المأسوية. أيوب ـ عليه السلام ـ النبي الصابر، الذي تحدث الشاعر بلسانه مخاطباً ربه على الرغم من وجود اسم أيوب فيها إلا أن شخصية الشاعر تبدو بوضوح في تلبسه لها وحديثه من خلالها، وهنا نلتقي شخصية الشاعر السياب مع شخصية النبي أيوب ـ عليه السلام ـ في كثير من الملامح الدينية وذلك من خلال العبارات التي ينقلها لنا الشاعر. كما قال الشاعر: إلهى لك الحمد كله مهما كثر واستمر واستطال البلاء ولك الحمد كله مهما استبرت الآلام بي ولك الحمد على كل شيء فما المصائب إلا نعمة وعطاء منك لقد ولج الشاعر في التجربة الوجدانية الخالصة، حيث يكثر التعليل والتأويل ويهزل الخيال ويطرد السرد وعرض الحال وقد لا تعدو قيمة هذه الأبيات الإخلاص المتخذ شكل البوح والاعتراف. والملاحظ أن النغم الغالب على هذه القصيدة هو النغم الديني، يتخذ شكل العبارة الجارية في الصلاة والدعوات بل التسابيح التي يُمجّده الله عز وجل فكأنها أنشودة دينية تعلن استسلام الشاعر لقدر الله الألم وخضوعه لإرادة الله به، إلا أنه ليس الخضوع الذي يخلص إليه بالتبرير فكيف يخرج ويلحق ويفكر ويتنكر وهو محلق أصلاً ما يملكه جميعاً هو هبة وأعطيت من الله ، فإذا استسلب وفجع فانما الله ـ عز وجل ـ يسترد عاريته. ولعله يقنع ذاته بما لا يقنعها، وهي هكذا طبائع الشعر الوجداني وإن الجراح هدايا الحبيب. فكل ألم وجراح هو من حبيب، ويرى الشاعر أنه لا يملك سوى أن يضمه إلى صدره وكأنها باقات ورد، فهي هدايا مقبولة لا ترد، فهي هدايا في خانق الشاعر لا تغيب. والشاعر بدر السياب دائماً عندما يرفع شكواه يعقبها بآيات الحمد. لك الحمد، مهما استطال البلاء لك الحمد ، إن الرزايا عطاء لك الحمد، إن الرزايا ندى لك الحمد، يا رامياً بالقدر فهو يرى أن المصائب ما هي إلا عطاء وكرم من الله عز وجل. تأمل معي عندما يرى أن هذه الأدوار لا تهدأ مع الصباح، ولا يتمكن الليل من مسح هذه الأوجاع، غير أن أيوب ـ عليه السلام ـ إن صاحَ صاح قائلاً لك الحمد فالمصائب كرم منك يارب، وهدية منك ياحبيب بل إنه يرى أن هذه الجروح ـ وإن كانت شديدة ـ فهو يرى نفسه محسود عليها ، لأنه أهدى إليه من حبيبه: أشد جراحي وأهتف بالعائدين ألا فانظروا واحسدوني فهذه هدايا من حبيبي وليس لهذه القصيدة الحلة الجميلة التي اتشحت بها القصائد الأخرى، فما هي إلا عواطف ومواقف وهموم وخاطف من الرجاء العليل وهي طبائع الشعر الوجداني . وربما استفاد الشاعر السياب من أسطورة أيوب ـ عليه السلام ـ لكنها ظلت متحدة بالسياق لتواريها فيه حتى ليكاد القارئ ألا يفطن إلا لحضورها. لقد تولى زمن الحشد الثقافي الذي كان يتحلى الشاعر فيه بالقدرة والكفاح والتضحية وحلت من دونها صورة أيوب المرتهن بشتى أنواع التنكيل والعذاب والصبر، وكذلك كان غياب الله في شعر السياب ظاهراً جلياً، لكننا في هذه القصيدة نراه حاضراً جلياً، بدأ حضوره يفعم قصيدته لأن الشاعر وعى أخيراً ضعفه و انخذاله أمام القدر ولم يعد يحمل صليبه على كتفيه ويعاند في العثو على خلاصة بذاته . بل إنه كان دائماً ـ في هذه القصيدة ـ يستدعى الله ـ عز وجل ـ ليعينه عليه، بل لينقذه منه، ويعد أن عدد في تجاربه السابقة قريته ووطنه واستعطى واستعطف تراه وقد انتصبت حقيقته السوداء أمام عينيه ويعود إلى الدعوات والتضرعات في جوها الإسلامي الصرف. وهو لا يقدم الذبائح والنذور الوثنية ولا يستسلم للموت على رجاء القيامة، بل يصعد الابتهالات على غرار التسابيح النبوية المأثورة. يا كاتباً بعد ذلك الشفاء. بل إن الشاعر السياب يرى أن الجراح التي لا تبرأ ولا تنهى بالموت تخرج في جسده كالشعار ولا خير فما دام الله قد أرادها فإنها من خيرة العميمه . إن جراحة لتتفتح مثل باقات الزهر يضمها إلى صدره ضمة الشغف لأنها من هدايا الله ـ عز و جل ـ هدايا الحبيب، وليست الحمى سوى قبلته يبثه بها شوقه والأرق هو متعة لمشاهدة النجوم. وإن مشت النار حر الجبين توهمتها قُبلة منك مجبولة من لهيب جميل هو السهر أرعى سماك بعيني حتى تغيب النجوم ويلمس شباك داري سناك وإن كانت تحد من به أصداء اليوم، وأبواق السيارات وآهات المرضى وهو مع ذلك ، فهو يرى الجمال كله في كل ذلك، جمال الرضا بالقضاء والقدر جمال الصبر على الليل وظلمته. جميل هو الليل أصداء يوم وأبواق سيارة من بعيد وآهات مرضى وأم تعيد أساطير آبائها للوليد فالشاعر هنا يعمل أثر الحالة النفسية للمريض، وأن للحالة النفسية أثراً بالغاً وذات أهمية للمريض، ولها انعكاس مباشر على وظيفة الأعضاء في الكائن الي، ولذلك فهو متعلق ـ الشاعر بدر شاكر السياب ـ شخصية النبي أيوب ـ عليه السلام ـ دون سواه، لقد ابتلى أيوب ـ عليه السلام ـ بداء عضال، فصبر على قضاء الله حتى أتاه الفرج من الله ـ عز وجل ـ قال الله تعالى : ( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسنى الشيطان بنصب وعذاب. اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب. ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب. وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ). سورة ص ، الآيات (41-44). فالسياب كان لا يزال يمنى ذاته بأعجوبة الغيب ، أن يكون مصيره في النهاية كمصير سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ ينزل عليه العزاء والشفاء بعد البلاء وإن صالح أيوب كان النداء. فلا يملك إلا أن يتوجه إلى الله ـ عز وجل ـ بالتوسل وترديد التضرع وطلب الشفاء وترتيل الدعاء، فيستعطف الله عز وجل ـ مسترحماً إياه أن يمزق عنه غشاوة المرض ويكرمه بالشفاء ، فالله ـ عز وجل ـ هو الذي بيده القضاء والقدر وهو الشافي.. لك الحمد يا راضياً بالقدر ويا كاتباً ، بعد ذاك الشفاء من هذا كله استمد الشاعر بدر شاكر السياب الرضا والأمل في الشفاء من مرضه. * رأيي الشخصي من خلال قراءتي لهذه القصيدة وتأملي فيها أرى أن هذه القصيدة قصيدة إيمانية. لأن هذه القصيدة مؤسسة على مخاطبة الله ـ عز وجل ـ بلسان سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ دون تعمد للاسطورة فالشاعر هو وحده صاحب الصورة وأفكاره هي المستحوذة على القصيدة، بحيث إنه يمكن حذف أيوب من كل موضع بالقصيدة ورد فيه ووضع اسم الشاعر السياب دون أن يختل العمل أو نحس فيه أدنى تغير. وكذلك المتأمل في هذه القصيدة يلاحظ قول الشاعر : لك الحمد مهما استطال البلاء ومهما استبد الألم لك الحمد، إن الرزايا عطاء لك الحمد، إن الرزايا ندى لك الحمد يا راضيا بالقدر وياكاتبا بعد ذلك الشفاء فهذا كله عبارة عن توسلات وتضرعات ودعاوات لله عز وجل، وما ذلك إلى من إيمان بالقضاء والقدر والصبر على ما قدره الله عز وجل . ولا يرى الشاعر هذه الآلام إلا أنها كفارات عن الذنوب، وأنه مؤمن نقي قال تعالى: ( ... وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) البقرة (155، 156). قال الرسول صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيراً يصب منه " . فما الذي ننتظره من شخص افتقد والدته صغيراً، وأصيب بالمرض كبيراً، لا نجده إلا صابراً كسيدنا أيوب، ومما يدل على ذلك إنه اختار اسم ديوانه أو قصيدته (سفر أيوب ). Genre Poetry Comment by HAYA في حلقات اخرى لبرنامج اصوات الشعراء؟ 2020-01-30T20:07:57Z Comment by HAYA هل يوجد تكملة للتسجيل؟ 2020-01-30T20:07:32Z