على ضفاف الحروف عينيّة الجواهري - الأربعين 1439 - المجلس 1 by قناة القمر الفضائيّة published on 2017-11-12T23:00:26Z ✤ وردتني أسئلة عديدة على إيميل البرنامج الذي كُنتُ أُقدّمه على شاشة القمر، و هو برنامج [سؤالك على شاشة القمر].. الأسئلة تطلب منّي أن أُبيّن معاني قصيدة "عينيّة الجواهري". سأحاول أن أشرح مضامين هذه القصيدة بشكلٍ مُختصر مُوجز و سريع.. في هذه الّليلة أتناول شطراً منها، و في الّليلة الآتية أتناول الشطر المُتبقّي من هذه القصيدة. ✤ في البداية لابُدّ أن أُشير إلى نقطة مهمّة، و هي: أنّه حينما يشرح شارحٌ قصيدةً مِن القصائد هو لا يعلم بالضبط ماذا يُريد الشاعر أن يقول، فالمعنى في قلب الشاعر - كما يقولون - و لكن هناك معنىً إجمالي يظهرُ مِن القصيدة.. هو هذا الذي سأُشير إليه.. و ربّما يدفعني ذلك إلى إضافة بعض المطالب بشكل موجز، ربّما لا يقصدها الشاعر، و ربّما يقصد الشاعر شيء آخر. • (وقفة عند حادثة طريفة تُنقل عن الشاعر أبي نؤاس تُبيّن أنّ معنى القصيدة في قلب الشاعر، و ليس بالضرورة أنّ ما يأتي به شارح القصيدة مِن شرح هو ما يُريده الشاعر). ◈ فداءٌ لِمثواك مِن مضجع** تنوّر بالأبلج الأروع المثوى: هو المكان الذي يثوي إليه الإنسان، و معنى يثوي إليه: أي يعود إليه كي يستقرّ فيه.. و المضجع: هو المكان الذي ينام فيه الإنسان. • (تنوّر بالأبلج الأروع) تنوّر هنا ليس مِن النُور.. و إنّما مِن (النَور) يعني: الورود.. النَور في لُغة العرب: هو الورد، بقرينة البيت الذي يأتي بعدها: بأعبق مِن نفحات الجنان** روحاً و مِن مسكها أضوع فهناك عَبَق، و هناك مِسْكٌ يضوع، و هناك رائحة.. فهذه الرائحة لا تأتي مِن النُور، و إنّما تأتي مِن النَور و مِن النوّار هو الورد.. و العرب يُطلقون كلمة (النَور) على الورد الذي يُزهر بشكل طبيعي (يعني لا يأتي زارع يزرعه) و في الغالب يُستعمل في الورد الأبيض الذي ينبت مع الأعشاب في فصل الربيع. فيُقال: (تنوّرت الأرض) أي أعشبتْ و خرج فيها الزهر و الورد الطبيعي.. و أمّا (النوّار) فهي الثمار.. يُقال شجرة تنوّرتْ: أي خرجتْ ثمارها مِن أكمامها. • (الأبلج) في لغة العرب هو صاحب الجبين الواسع المُشرق.. و يُقال كذلك للذي لا تنقعد حاجباه (أي لا تلتقي) يُقال له أبلج. • و أمّا (الأروع) فهي مِن الرائع.. و الرائع والأروع هو حسن الجسم، و حسن الوجه، و حسن الشعر، و لهُ مهابة بين الناس و بين قومه. فالذي يظهر مِن قول الشاعر هنا في البيت الأوّل: أنّ الشاعر يجعل نفسه فداءً لهذا المثوى.. لهذه الأرض التي استقرّ فيها الحُسين.. لأنّ هذا المثوى تنوّر بالأبلج الأروع. فهذا الأبلج الأروع الذي ثوى في هذا المكان جعل هذا المكان مُزهراً مُورداً.. و هنا لا يتحدّث عن الأزهار و عن الورود بهذا المعنى الحسّي.. و إنّما يتحدّث عن معنىً حقيقي للأزهار و للورود. أزهرتْ حقيقة الورود في هذا المكان حين ثوى فيه هذا الأبلج الأروع. ◈ بأعبق من نفحات الجنان** روحاً و من مسكها أضوع. هذه الورود و الأزاهير فاحتْ روائحها و عُطُورها بأعبق من نفحات الجنان.. (العَبَق) هو طيب الرائحة، و (الروح)) هو ارتياح النفس و ارتياح الذات إمّا لنسيم عذب قارب ذلك الإنسان، و إمّا لرائحة طيّبة، و إمّا لِطهارة مكان و نظافته، و إمّا لِجمالٍ و لِحُسنٍ في ذلك المكان أحاط به.. مثلما جاء التعبير في القرآن الكريم: (رَوحٌ و ريحان). (المِسك) هو العِطر المُستخرج مِن نافجة الغَزال.. هو نوعٌ من أنواع الدم ذُو رائحة طيّبة.. و (ضاع المسك) أي انتشر في المكان و وصل إلى الآناف. و هذان البيتان يتحدّث فيهما الشاعر عن كربلاء. ◈ و رعياً ليومك يوم الطفوف** و سقياً لأرضك مِن مصرعِ. • (رعياً) مفعول مُطلق، و المفعول المُطلق يُمكن أن يحذف الفعل و يقوم مقام الفعل.. فيكون التقدير هكذا: (إنّي أُراعي رعياً ليومكَ يوم الطفوف) يعني عندي رعاية ليومك يوم الطفوف.. و الطفوف اسمٌ لكربلاء، و المُراد مِن الرعاية هو حفظ هذا اليوم. • (سَقياً) أي: أنّني أسقي أرضك و مصرعك سقياً.. و المصرع هو المكان الذي يُصرع فيه الإنسان - أي يُقتل - و هذا المعنى وارد في كلمات رسول الله "صلّى الله عليه وآله" حين يُخاطب العترة الطاهرة و يُحدّثهم أنّ مصارعهم شتّى.. و هذه الكلمة (مصارع) وردتْ في كُتبنا و في كُتب المُخالفين، و مِن خلال هذه الكلمة نُثبت أنّ الزهراء قُتلت.. لأنّ النبي الأعظم خاطب العِترة الطاهرة بأنّ مصارعكم شتّى، فالزهراء سيّدة العترة.. فهذه الكلمة فيها دلالة واضحة على أنّ الزهراء قُتلتْ. و هذا التعبير (سُقياً) باعتبار أنّ السقي مِن علامات الخير للأرض.. و لذلك في الأشعار العربيّة دائماً يرد هذا المعنى. دائماً الشُعراء يُشيرون إلى أنّ الأرض تُسقى، إشارة إلى التفاؤل و إلى الخير. ◈ و حُزناً عليكَ بحبس النفوس** على نهجك النيّر المَهيع. الشعراء يقولون ما لا يفعلون.. و إلّا فهذا المعنى أين و الجواهري أين في حياته الواقعيّة..! Genre Religion & Spirituality